إن مشكلة التقدم التكنولوجي للجهات التي مازالت تشكو من نقص في التنمية لايمكن حلها جذريا باسترداد التقنيات الأجنبية أو إدخال العلوم التطبيقية الجاهزة - على عجل- بشكل من الأشكال . فلا يمكن للتقدم أن يتحقق بصورةجذرية إلا بالابداع والدعم ، حسب سياق ينمو داخليا في قلب الحقيقة الإنسانية للمجتمعات المعنية من الوجهتين الثقافية والإجتماعية للعلم .إن الأمر الأساس الذي يجب التركيز عليه هو أن العلم والتقنية الجديدة كلاهما من المكونات العضوية في الثقافة . وهما لا يصبحان مرتبطين اجتماعيا ومنتجين اقتصاديا إلا إذا تم دمجهما في البيئة الثقافية التي يعملان فيها ، وبذلك يصيران ظاهرة ديناميكية تستحث التجديد والإبداع ونفهم من هذا أن أكبر كذبة هي ما يسمى بنقل العلوم والتكنولوجيا ، ليس هناك شيئ يمكن تسميته بنقل التكنولوجيا ، فمجرد استيراد المنتج التكنولوجي ، فضلا عن استيراد الفنيين للسهر على تشغيله وصيانته ، ليس بحال استيرادا للتكنولوجيا . فما يتم نقله تحت غشاء هذا المصطلح نقل التكنولوجيا هوا مجرد مواد عفى عليها الزمن وبأثمنة لا مبرر لها ، أما التمكن من التكنولوجيا فهوا نتيجة عمل وبحث وإبداع ذاتي ، وذلك مسار يستحيل بيعه أو شراؤه ، ولا سبيل إلى الوصول إليه إلا باكتساب المعرفة وتنشيط الابتكار .
إن العلم أو التقنية لايمكن نقلهما ، لأنهما نتاج نسق ثقافي ؛ فالقيم الثقافية هي التي تحدد الفكر العلمي والإبداع والابتكار . فالعلم والتكنولوجيا ليسا المحركين الأولين للتغيير الاجتماعي بل القيم الثقافية عي المحرك الأساس ، وهي التي تجعل التغيير ميسورا من خلال تمكين الأفراد من استيعاب العلم والتكنولوجيا . وهذا ما أسميه بانتهار العلم والثقافة ولهذا نجد أن اليابانيين بالرغم مما يشاع عنهم لم ينقلوا التكنولوجيا . إن اليابانيين سلكوا في استيراد التكنولوجيا مسلكا فريدا بحيث اتجهوا إلى تحليل المواد المستوردة بهدف فهم آلياتها وكيفيه عملها بقصد فهم مل جزء من جزئياتها ، وإعادة تركيبها وفق مقاييس وأذواق مغايرة ، ففي التركيب الجديد نجد أن هناك إبداعا يابانيا ينسجم مع القيم المجتمعية ومع الخصوصية اليابانية وفق ذوق الإنسان الياباني في الحياة . فهناك إذن إبداع ذاتي ، وبدون هذا الإبداع الذاتي لايمكن التحدث عن التكنولوجيا .
هناك عامل أخر في الإبداع التكنولوجيا هوا العامل السياسي والإدارة السياسية . إن العامل الأساس في نجاح الإبداع التكنولوجي هو توفير الإرادة السياسية وتوفير جو الحرية لأصحاب المواهب العلمية والفنية ، وهذا يتطلب بطبيعة الحال احترام الإنسان .
ووجود العنصر البشري المتوفر على القدرات الفنية والعلمية العالية شرط ضروري في نجاح العملية الإبداعية ، وهذا الشرط لنوفر في عالمنا الغربي والإسلامي ، خاصة إذا علمنا أن كبار المتخصصين في المراكز العلمية والتكنولوجية في العالم الغربي هم عرب مسلمون ، ولكن غياب الحقوق والحريات العامة وغياب احترام الإنسان ، كل ذاك حرم العالم المتخلف من الاستفادة من طاقاته الذاتية وأصبح يعيش حالة نزيف مستمر لأدمغته وذوي القدرات فيه .
وشكرا للمتابعة الموضوع وفى انتظار تعليقاتكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق